التصرفات الصامتة» أسلوب راق لاختراق القلوب
ما نتفوه به من مشاعر تجاه الآخرين ليس هو المرآة الوحيدة لما في صدورنا، وانما هناك «تصرفات صامتة» ترسل رسائل عفوية غير مرئية الى قلوب الآخرين، تفوقت على اساليب الكلام المعسول المعروفة! ومن تلك التصرفات الجميلة امساك باب المصعد انتظارا لقادم بعيد، او ابتسامة لطيفة في وجه نراه للمرة الاولى. نتناول في هذا المقال جانبا من هذه التصرفات الصامتة.
*=*=*=*=*=*=*=*=*=*= *=*=*=*=*=*=*=*=*=*= *=*
**العين العجيبة
العين هي اصدق عضو ظاهر يكشف مشاعر الناس. فهي تنجح بمهارة في اختبارات جس نبض التعب او الغضب او السعادة او الدهشة التي تبدو على الناس كل يوم. القاضي في المحكمة، المحقق، او حتى الوالدين عندما يتأملون في عيون أولادهم املا في معرفة الحقيقة، ونلجأ نحن الى ذلك عندما نشك في ما يقوله محدثونا.
ان كانت العين على هذه الدرجة من الشفافية فهي بحق تستحق ان نراقبها بفضول لتحكي لنا ما يكنه لنا من يعيشون حولنا.
=======================================
**تعابير الوجه
لا يستطيع المرء احيانا كثيرة ان يخفي تعابير وجهه، ايجابية كانت او سلبية، فمن تؤذيه رائحة كريهة يبدو رفضه على وجهه وان حاول ان يخفي احاسيسه، والفرحة كذلك، فمن يبشرنا بخبر سار كنجاحنا في الثانوية العامة او ترقيتنا الى منصب رفيع يسهل معرفة ذلك منه بالنظر الى وجهه الصغير المليء بالخفايا المخبأة.
التفرس في تضاريس الوجوه هو خريطة مرشدة الى نقطة المشاعر المكنونة.
========================================
**الملابس
عندما تواعد شخصا ما في مطعم فاخر على عشاء او غداء، وتفاجأ بانه قد أتى مرتدياً سروالا قصيرا (شورت) ونعالا، ما شعورك؟ لا شك في انك ستتيقن من عدم اكتراثه بالموعد او انه لا يشكل له اهمية تذكر. والحال ينطبق على الاجتماعات الرسمية ودوائر العمل، فما نلبسه يعكس طبيعة نظرتنا الى المكان الذي نزوره او الشخص الذي نقابله.
===================================
**اللمس
المصافحة هي احدى طرق اللمس التي ترسل رسائل مهمة، فكلما زادت درجة حرارة المصافحة عكس ذلك جانبا مهما مما يكنه الناس لبعضهم، لمس اليدين حركة صامتة، ولكن فيها من الرسائل عميقة المغزى ما يفهمه المتصافحون جيدا.
تقول د. فوزية الدريع في كتابها الفريد «اللمس» انه «في كل سنتيمتر مربع واحد من الجلد يوجد حوالى ثلاثة ملايين خلية دهنية وعرقية وشعرية وحوالى مترين ونصف من الشعيرات الدموية». وتتساءل «فلك ان تتصوركم تبلغ الشبكة الحسية على جسم الانسان كله» وتضيف ان «ملايين الخلايا هذه تحمل الى الدماغ ليل نهار في كل ثانية حتى ونحن نيام رسائل سريعة عن العالم الخارجي» وتقول «ان الجلد الذي يقوم بوظيفة حاسة اللمس يتفاعل مع درجات الحرارة والألم والضغط والدغدغة وغيرها».
وتتساءل باستغرب: «تخيل لو ان جسمك كله تخدر وفقد الاحساس مثل خدك عند طبيب الاسنان فكيف يكون للحياة طعم»!.
===============================
**الجلسة
دخلت احد الفصول الدراسية في جامعة عربية، واذا بمدرس المقرر قد شبك راحة يديه لاسناد رأسه، وقد مد رجليه على طاولته موجها قاعدة حذائه الى مقاعد الطلبة. عندما رأيته ظننت ان احدا لم يدخل الفصل بعد، ولكنني فوجئت فور دخولي بان الفصل قد امتلأ بالطلاب وهم يحاولون اخفاء ابتساماتهم المتبرمة التي التقت مع اندهاشي الظاهر!
مهما حاول الناس اظهار الاهتمام بمن يجلس امامهم، لا يستطيعون ان يتجاوزوا او يتهاونوا في كيفية جلستهم، فطريقة جلوسنا امام الناس تعكس انطباعنا تجاههم، فالابن الغاطس في كرسيه مسندا رجلا على اخرى اثناء حديث والده اليه لا شك في انه تصرف لا يعبر عن درجة احترامه لوالده.
==============================
**الوقت كالسيف
شخص دعا صديقا له الى العشاء، وأبلغه بأنه سيدعو الكثيرين احتفاء به، مؤكدا على توقيت تناول العشاء، فما كان من المدعو الا ان تأخر ثلاث ساعات، ولما اتصل الداعي يسأل عن سبب التأخر، قال «أنا آسف.. سآتي بعد قليل!»، وقد حدث هذا أمامي لأنني كنت أحد المدعوين الى «العزيمة». ماذا يمكن ان يفهم من ذلك السلوك؟
مهما كانت متانة العلاقة يظل الالتزام بالوقت مع الآخرين مؤشرا على اننا نهتم بهم، ونقدر لقاءاتهم والعكس صحيح.
============================
**الجلوس بعيدا
تخيل لو ان شخصا طلب ان يقابلك، ولما جاء الى الموعد جلس على بعد 5 أمتار منك، في غرفة متوسطة الحجم، ماذا يمكن ان يشير اليه ذلك التصرف؟ لا بد انك ستفكر ان هذا الشخص اما انه يريد الابتعاد عنك أو يتجاهلك أو حتى لا يملك أي ود تجاهك.
============================
**العرب والطعام
من أجمل عادات العرب حرصهم على عدم تناول الطعام الا بعد التأكد من شروع ضيوفهم في الأكل، وان لديهم ما يحتاجون من طعام وشراب.
وقد يبالغ البعض، في الولائم الكبيرة، برفض الأكل الى حين امتلاء بطون الضيوف جميعا!
ما أجمل ان تجد من يجلس الى جانبك يضع لك قطعة من اللحم الطري أو يملأ كوبك بالشراب البارد ايثارا على نفسه، تلك تصرفات صامتة، ولكن لها من الوقع الطيب ما يسمع صداه الضيف في جميع نواحي أحاسيسه.
*=*=*=*=*=*=*=*=*=*= *=*=*=*=*=*=*=*=*=*= *=*
اذا «السلوكيات الصامتة» في حياتنا كثيرة، وهي في حاجة الى من يكتشفها لتدخله الى قلوب الناس بتلقائية وصدق وتتفوق على نظرية التفوه بالمشاعر، التي لم يعد لها تأثير فعال في زمن كثر فيه النفاق والتملق والدجل!